وما أشد ما يسمو بخيالنا عن الوحش القوي ذي النفث الضبابي أن نراه يسبح في جلال خلال هدأة البحار الاستوائية، وقد تظلل رأسه الجريم اللطيف بظلّة من بخار ولّدتْه أفكاره التي لا يمكنه إبلاغها لغيره، وأن ذلك البخار يُرى أحيانا وقد وشحه قوس قزح، حتى كأن السماء نفسها أمّنت على أفكاره ووقّعت بالقبول. ولعلك تعلم أن قوس قزح لا يُلم بالفضاء الصافي وإنما يبعث الألق في البخار، وكذلك إذا تكاثف ضباب الشكوك القاتمة في عقلي تخللته أنوار الحدس الإلهية منوِّرة ذلك الضباب بشعاع سماوي. شكرا لله على هذا لأن الناس جميعا تعتريهم الشكوك، وكثير منهم يعتريهم الجحود، ولكن قل أن تجد في الناس من ينالون الحدس مع الشك أو الجحود. الشكوك في الأمور الأرضية، والحدس في الأمور السماوية، هذا المزيج لا يصنع مؤمنا خالصا ولا كافرا خالصا وإنما يصنع إنسانا يرى الحالتين دون تفرقة أو تمييز.
( Herman Melville )
[ Moby-Dick, or, the Whale ]
www.QuoteSweet.com